بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
النعمة نعمتان : نعمة مطلقة ونعمة مقيدة .
1- فالنعمة المطلقة :
هي المتصلة بسعادة الأبد وهي نعمة الإسلام والسنة وهي النعمة التي أمرنا الله سبحانه أن نسأله في صلاتنا أن يهدينا صراط أهلها ومن خصهم بها وجعلهم أهل الرفيق الأعلى حيث يقول تعالى : "َمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقاً " النساء 69 "
فهؤلاء الأصناف الأربعة ، هم أهل هذه النعمة المطلقة ، وأصحابها أيضا هم المعنيون بقوله تعالى" :الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (3)" المائدة.
فأضاف الدين إليهم ; إذ هم المختصون بهذا الدين القيم دون سائر الأمم ، والدين تارة يضاف إلى العبد ، وتارة يضاف إلى الرب ، فيقال الإسلام دين الله ( الذي ) لا يقبل من أحد دينا سواه
ولهذا يقال في الدعاء : ( اللهم انصر دينك الذي أنزلته من السماء ) ونسب الكمال إلى الدين والتمام إلى النعمة مع إضافتها إليه ; لأنه هو وليها ومسديها إليهم ، وهم محل محض لنعمه قابلين لها ، ولهذا يقال في الدعاء المأثور للمسلمين ( واجعلهم مثنين بها عليك قابليها وأتممها عليهم ) .
وأما الدين فلما كانوا هم القائمين به الفاعلين له بتوفيق ربهم نسبه إليهم ، فقال : ( أكملت لكم دينكم ) ، وكان الكمال في جانب الدين والتمام في جانب النعمة واللفظتان وإن تقاربتا وتوازنتا فبينهما فرق لطيف يظهر عند التأمل فإن الكمال أخص بالصفات والمعاني ويطلق على الأعيان والذوات وذلك باعتبار صفاتها وخواصها كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا مريم بنت عمران ، وآسية بنت مزاحم ، وخديجةبنت خويلد )
الراوي: أبو موسى الأشعري المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 3411
خلاصة حكم المحدث: [صحيح]
. وقال عمر بن عبد العزيز : " إن للإيمان حدودا وفرائض وسننا وشرائع فمن استكملها فقد استكمل الإيمان " ، وأما التمام فيكون في الأعيان والمعاني ، ونعمة الله أعيان وأوصاف ومعان .
وأما دينه فهو شرعه المتضمن لأمره ونهيه ومحابه فكانت نسبة الكمال إلى الدين والتمام إلى النعمة أحسن كما كانت إضافة الدين إليهم والنعمة إليه أحسن ،
والمقصود :أن هذه النعمة هي النعمة المطلقة ، وهي التي اختصت بالمؤمنين ، وإذا قيل : ليس لله على الكافر نعمة بهذا الاعتبار فهو صحيح .
2 -النعمة المقيدة :
والنعمة الثانية : النعمة المقيدة كنعمة الصحة ، والغنى ، وعافية الجسد ، وبسط الجاه ، وكثرة الولد ، والزوجة الحسنة ، وأمثال هذه ، فهذه النعمة مشتركة بين البر والفاجر والمؤمن والكافر ، وإذا قيل : لله على الكافر نعمة بهذا الاعتبار فهو حق ، فلا يصح إطلاقا السلب والإيجاب إلا على وجه واحد ; وهو أن النعم المقيدة ، لما كانت استدراجا للكافر ومآلها إلى العذاب والشقاء فكأنها لم تكن نعمة وإنما كانت بلية كما سماها الله تعالى في كتابه كذلك ، فقال تعالى: " فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15) وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ (16)"الفجر
- أي : ليس كل من أكرمته في الدنيا ونعمته فيها:فقد أنعمت عليه وإنما كان ذلك ابتلاء مني له ، واختبارا ، ولا كل من قدرت عليه رزقه فجعلته بقدر حاجته من غير فضل أكون قد أهنته ، بل أبتلي عبدي بالنعم كما أبتليه بالمصائب .
فإن قيل - فكيف يلتئم هذا المعنى ويتفق مع قوله : (فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ ) . فأثبت الإكرام ثم أنكر عليه قوله : (رَبِّي أَكْرَمَنِ) وقال : ( كلا ) . أي : ليس ذلك إكراما مني وإنما هو ابتلاء فكأنه أثبت له الإكرام ونفاه ؟ .
قيل : الإكرام المثبت غير الإكرام المنفي ، وهما من جنس النعمة المطلقة والمقيدة ، فليس هذا الإكرام المقيد بموجب لصاحبه أن يكون من أهل الإكرام المطلق .
وكذلك أيضا إذا قيل إن الله أنعم على الكافر نعمة مطلقة ولكنه رد نعمة الله وبدلها فهو بمنزلة من أعطي مالا يعيش به فرماه في البحر كما قال تعالى" : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّـهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ ﴿٢٨﴾" ابراهيم
-
- وقال تعالى : "وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَىٰ عَلَى الْهُدَىٰ فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴿١٧﴾" فصلت ،
- فهدايته إياهم نعمة منه عليهم فبدلوا نعمته وآثروا عليها الضلال .
- فهذا فصل النزاع في مسألة : هل لله على الكافر نعمة أم لا ؟ وأكثر اختلاف الناس من جهتين ، إحداهما : اشتراك الألفاظ وإجمالها ،
- والثانية : من جهة الإطلاق والتفصيل .
فصل : " في أن النعمة المطلقة هي التي يفرح بها في الحقيقة مع بيان منزلة السنة وصاحبها " :
وهذه النعمة المطلقة هي التي يفرح بها في الحقيقة ، والفرح بها مما يحبه الله ويرضاه ، وهو لا يحب الفرحين ، قال الله تعالى : "قُلْ بِفَضْلِ اللَّـهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ ﴿٥٨﴾" يونس .
وقد دارت أقوال السلف على أن فضل الله ورحمته هي الإسلام والسنة وعلى حسب حياة القلب يكون فرحه بهما ، وكلما كان أرسخ فيهما كان قلبه أشد فرحا حتى إن القلب ليرقص فرحا إذا باشر روح السنة أحزن ما يكون الناس ، وهو ممتلئ أمنا أخوف ما يكون الناس .
اجتماع الجيوش الإسلامية
( ابن قيم الجوزية)
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
النعمة نعمتان : نعمة مطلقة ونعمة مقيدة .
1- فالنعمة المطلقة :
هي المتصلة بسعادة الأبد وهي نعمة الإسلام والسنة وهي النعمة التي أمرنا الله سبحانه أن نسأله في صلاتنا أن يهدينا صراط أهلها ومن خصهم بها وجعلهم أهل الرفيق الأعلى حيث يقول تعالى : "َمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقاً " النساء 69 "
فهؤلاء الأصناف الأربعة ، هم أهل هذه النعمة المطلقة ، وأصحابها أيضا هم المعنيون بقوله تعالى" :الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (3)" المائدة.
فأضاف الدين إليهم ; إذ هم المختصون بهذا الدين القيم دون سائر الأمم ، والدين تارة يضاف إلى العبد ، وتارة يضاف إلى الرب ، فيقال الإسلام دين الله ( الذي ) لا يقبل من أحد دينا سواه
ولهذا يقال في الدعاء : ( اللهم انصر دينك الذي أنزلته من السماء ) ونسب الكمال إلى الدين والتمام إلى النعمة مع إضافتها إليه ; لأنه هو وليها ومسديها إليهم ، وهم محل محض لنعمه قابلين لها ، ولهذا يقال في الدعاء المأثور للمسلمين ( واجعلهم مثنين بها عليك قابليها وأتممها عليهم ) .
وأما الدين فلما كانوا هم القائمين به الفاعلين له بتوفيق ربهم نسبه إليهم ، فقال : ( أكملت لكم دينكم ) ، وكان الكمال في جانب الدين والتمام في جانب النعمة واللفظتان وإن تقاربتا وتوازنتا فبينهما فرق لطيف يظهر عند التأمل فإن الكمال أخص بالصفات والمعاني ويطلق على الأعيان والذوات وذلك باعتبار صفاتها وخواصها كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا مريم بنت عمران ، وآسية بنت مزاحم ، وخديجةبنت خويلد )
الراوي: أبو موسى الأشعري المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 3411
خلاصة حكم المحدث: [صحيح]
. وقال عمر بن عبد العزيز : " إن للإيمان حدودا وفرائض وسننا وشرائع فمن استكملها فقد استكمل الإيمان " ، وأما التمام فيكون في الأعيان والمعاني ، ونعمة الله أعيان وأوصاف ومعان .
وأما دينه فهو شرعه المتضمن لأمره ونهيه ومحابه فكانت نسبة الكمال إلى الدين والتمام إلى النعمة أحسن كما كانت إضافة الدين إليهم والنعمة إليه أحسن ،
والمقصود :أن هذه النعمة هي النعمة المطلقة ، وهي التي اختصت بالمؤمنين ، وإذا قيل : ليس لله على الكافر نعمة بهذا الاعتبار فهو صحيح .
2 -النعمة المقيدة :
والنعمة الثانية : النعمة المقيدة كنعمة الصحة ، والغنى ، وعافية الجسد ، وبسط الجاه ، وكثرة الولد ، والزوجة الحسنة ، وأمثال هذه ، فهذه النعمة مشتركة بين البر والفاجر والمؤمن والكافر ، وإذا قيل : لله على الكافر نعمة بهذا الاعتبار فهو حق ، فلا يصح إطلاقا السلب والإيجاب إلا على وجه واحد ; وهو أن النعم المقيدة ، لما كانت استدراجا للكافر ومآلها إلى العذاب والشقاء فكأنها لم تكن نعمة وإنما كانت بلية كما سماها الله تعالى في كتابه كذلك ، فقال تعالى: " فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15) وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ (16)"الفجر
- أي : ليس كل من أكرمته في الدنيا ونعمته فيها:فقد أنعمت عليه وإنما كان ذلك ابتلاء مني له ، واختبارا ، ولا كل من قدرت عليه رزقه فجعلته بقدر حاجته من غير فضل أكون قد أهنته ، بل أبتلي عبدي بالنعم كما أبتليه بالمصائب .
فإن قيل - فكيف يلتئم هذا المعنى ويتفق مع قوله : (فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ ) . فأثبت الإكرام ثم أنكر عليه قوله : (رَبِّي أَكْرَمَنِ) وقال : ( كلا ) . أي : ليس ذلك إكراما مني وإنما هو ابتلاء فكأنه أثبت له الإكرام ونفاه ؟ .
قيل : الإكرام المثبت غير الإكرام المنفي ، وهما من جنس النعمة المطلقة والمقيدة ، فليس هذا الإكرام المقيد بموجب لصاحبه أن يكون من أهل الإكرام المطلق .
وكذلك أيضا إذا قيل إن الله أنعم على الكافر نعمة مطلقة ولكنه رد نعمة الله وبدلها فهو بمنزلة من أعطي مالا يعيش به فرماه في البحر كما قال تعالى" : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّـهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ ﴿٢٨﴾" ابراهيم
-
- وقال تعالى : "وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَىٰ عَلَى الْهُدَىٰ فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴿١٧﴾" فصلت ،
- فهدايته إياهم نعمة منه عليهم فبدلوا نعمته وآثروا عليها الضلال .
- فهذا فصل النزاع في مسألة : هل لله على الكافر نعمة أم لا ؟ وأكثر اختلاف الناس من جهتين ، إحداهما : اشتراك الألفاظ وإجمالها ،
- والثانية : من جهة الإطلاق والتفصيل .
فصل : " في أن النعمة المطلقة هي التي يفرح بها في الحقيقة مع بيان منزلة السنة وصاحبها " :
وهذه النعمة المطلقة هي التي يفرح بها في الحقيقة ، والفرح بها مما يحبه الله ويرضاه ، وهو لا يحب الفرحين ، قال الله تعالى : "قُلْ بِفَضْلِ اللَّـهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ ﴿٥٨﴾" يونس .
وقد دارت أقوال السلف على أن فضل الله ورحمته هي الإسلام والسنة وعلى حسب حياة القلب يكون فرحه بهما ، وكلما كان أرسخ فيهما كان قلبه أشد فرحا حتى إن القلب ليرقص فرحا إذا باشر روح السنة أحزن ما يكون الناس ، وهو ممتلئ أمنا أخوف ما يكون الناس .
اجتماع الجيوش الإسلامية
( ابن قيم الجوزية)